-->
recent

آخر الأخبار

recent
random
جاري التحميل ...
random

مقتطف من رواية قطة فوق صفيح ساخن للكاتب مراد سارة






 كزهرةٍ صغيرةٍ مشفوعةٍ بظلالِ أختِها استظلّت عينيَ السليمةُ بعينيِ ، مثلَ كلِّ العصافيرِ التي هربتْ إلى أعشاشِها قبلَ بَدءِ العاصفةِ دخلتُ بيتَ (أم عدنان ) ، كنجمةٍ وجدتْ في الليلِ حُسنَها، لم تحرمْني تلكَ السيدةُ العفيفةُ غِبطةَ الحياةِ وهي تتلمّسُ رأسي وما تبقّى مني . أحدثكم أنتم لأنكم لا ترونَ تلك القوّة المتجسدةُ في امرأةٍ لا ترى إلا بعينٍ واحدةٍ ولا تسمعونها متكلِّمةً وقد أخفتْ منذ طفولتها سرّاً علوياً سيبقى داخلَ التابوتِ ولكنكم ستشعرونَ بوجودِها داخلِ أرواحِكم قبل أن تضمحلَّ أعمارَكم كالضبابِ وتزولُ أيامكم كالفيء . والآن سأخبركمْ بغصّتِها وأُفرِغُ هذا السرَّ من تابوتِها المظلمِ . فليتبعْني الجمعُ كي تتحوّلَ نحوَها الأبصارُ كيفما تحوَلتُ . بقيت محدقةً إلى وجهِ (أم عدنان) مفكرةً معها ولها ، متألمةً ومصغيةً لأنفاسِها المتقطّعَةِ ، ولا أشعرُ بغير يدٍ باردةٍ مرتعشةٍ تمتدُّ على جَسَدِ قطةٍ ذليلةٍ ثم عادتْ تخيطُ ثوباً وتحدّثنُي :- - تحتَ ظلالِ ياسمينةٍ في (عراقِ المنشيةِ) عانقَ الحبُّ روحي لأولِّ مرّةٍ بينما كانَ القدرُ يخطُّ أولَ كلمةٍ من حكايةِ مستقبلي ، فما أعظمَ هذه الليلةَ وما أعمقَ أسرارَها ! بكلِّ ما أوتيتُ من عزيمةٍ حملتُ كلماتِ أمي وهي تحذّرُني من أن أهمِسَ بحرفٍ واحدٍ عن عينٍ لي لم أعدْ أرى بها ، كنت صغيرةً جداً وأنا العبُ مع الأطفالِ بعينٍ واحدةٍ وأقومُ بكلِّ أعمال البيتِ بعينٍ واحدةٍ ، حتى إخوتي لم يعلموا بما أصابني وأمي هي الأخرى اخفتْ عنهمْ غُصّتي ، فهل لعروسٍ أن تبوحَ لزوجِها فتصبحَ معياراً. تصورّي حتى عيني السليمة التي أرى بها جمالَ الربيعِ ويقظةَ الحقولِ تحدّقُ في العينِ الأخرى التي تقفُ متهيّبةً أمامَ غَضَبِ العواصفِ وبأسِ الشتاء . بنصفِ وجهي الآخرِ وكمالِ قلبي حملتُ أبنائي في ذاتِ نكبةٍ واجتزت التلالَ حتى وصلتُ إلى (عين السلطان) ، فمن وصلَ لتلك العين فإن الظمأ سيقُتله والخوفَ يميته . هناك لم أعدْ أشعرُ بغيرِ شقاءِ الفقرِ وتعاسةِ الساقطينِ من حربِ (67) وما أمرّ ليالي الحزن فيها وما أكثر مخاوفها ! (مخيم شنلر) لم يكنْ إلا كورقةٍ صفراءَ عالقةٍ في إحدى الصخور ، كنتُ في صحراءِ يبابٍ أمامَ شعوبٍ هامدةٍ مظلومة ووجوهٍ تصفعَها الأحزانُ في حظيرةِ الموتِ والشتاتِ ، أمّةٌ متألِمةٌ تغمرُ حياتَها العواصفُ الشديدة بالترابِ ، كنتُ شريكةَ أبصارِهم في ظلمةِ القبرِ أشرح لبصائرِهم كيفَ يكونُ شعاعُ السراجِ ضئيلاً إذا كان زيتُ الفتيلِ شحيحاً هكذا يستوي الأحياءُ والأمواتُ . كانت (السِحَنُ) كصحيفةٍ متجعدِّةٍ كُتبتْ عليها سطورٌ غريبةٌ وكان عليَّ أنْ أُخفي عَجْزي مع تلكَ الوجوهِ التي تتلونُّ بغبارِ الصحراءِ وبقايا الطحينِ وبُقَع الطينِ وكَثْرةِ المصائبِ والمصاعبِ ، كنتُ ككلّ الأمهاتِ وكما قال عني محمود درويش (أرى لا أرى) رسمتْ (أمُّ عدنان) على شفتيها المرتعشتينِ خيالَ ابتسامةٍ مُحزِنةٍ وتوقفتْ إبرتُها . - أرأيتِ كيف أضلّنا الدهرُ فَسرِنا مسرعينَ إلى هذه الكهوف ؟! أحمِلُ ما أعجِنُه من دقيقٍ وقتَ أذان الفجرِ وأذهبُ به إلى الفُرن ومن ثم أقوم بحجزِ دَور على (حنفية الماء) حتى تكتمل قدوري ؟ أرأيتِ كيفَ نقفُ لساعاتٍ في طابورِ الُمؤنَ وأجمَع الحطبَ كي أغسلَ ثيابَ أولادي ؟ أرأيتِ كيفَ أخيط الثياب وأصنعُ من القشِّ أطباقاً وأقوم بتربية أولادي والسّهر على راحتِهم دون أن أُشعِر أحداً منهم بأنني (أرى لا أرى) ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ احتفظتْ (أمُّ عدنان) بسرِّها حتى أجَلِ معلومِ ومن سيرجعُ منكم للزمكان سيعلمُ بأنَّ العينَ السليمةَ أصابتْها عدوى أختِها وبعد أن فقدتْ الرؤى في ذاتِ وضوء . أُجرِيت لها عمليةٌ جراحيةٌ ناجحةٌ لعينِها وكان الخبرُ الصاعِقُ للأبناءِ بأنَّ العينَ الأخُرى معطلةٌ منذ كانَ عمرها ستةَ أعوامٍ لذلك طلبتْ من الطبيبِ أن يفحصَ العينَ السليمةَ فقط . #قطة فوق صفيح ساخن

التعليقات



إذا أعجبك محتوى الموقع نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

رئيس التحرير

الاستاذ : سامر المعاني

فريق التصميم

الاستاذ : أحمد جمال الجراح

المحررين

الاستاذ: أحمد جمال الجراح
الاستاذ : محمود خضر الشبول
االاستاذة : إيمان العمري
الاستاذة : امنة الذيباني
الاستاذة : لينا الخيري
الاستاذة : رولا العمري
الاستاذة : روند كفارنة
الاستاذة : ميسون الباز
الاستاذة : ايمان الحموري

المتواجدون الان بالموقع

احصاءات الموقع الشهرية

تصميم أحمد جمال الجراح -هاتف :00962788311431 © جميع الحقوق محفوظة

فضاءات الجياد

2020