إطلالة على كتاب سقيا حرف
للكاتبة رولا العمري
بقلم أ. سامر المعاني
...
سقيا حرف للكاتبة رولا العمري صدر عن دار يافا في عمان في مجال القصة القصيرة جدا، قدم المجموعة ساجدة المسلماوي من العراق، والأديبة إخلاص فرنسيس، بعتبات وإخراج جميل جدا، عبر تبويب وعناوين متجانسة في وحدة المضمون والأسلوب. تناوبت بين قصة أو قصتين في الصفحة الواحدة .
استطاعت القاصة العمري أن تجد لها طريقا في مجال الإبداع، فهي قارئة نهمة، ولها تجارب مكثفة في هذا المجال من خلال مشاركتها في عشرات المسابقات والكتب المشتركة في مجال القصة القصيرة جدا ، لذلك حين تقرأ سقيا حرف؛ فأنت أمام منجز أدبي راقي وعميق، ربما تكون قراءته سريعة ولا تحتاج وقتا طويلا كما القصة والرواية، ولكن سقيا حرف فيه ما يجعلك تقف عند النص الواحد لتفكك أسراره ومداره الذي ربما يومض في أكثر من حاله وإحساس، او ربما يومض كما تريدها انت.
تماسك النص في إشارته ودهشته ولغته، هو أساس العمل القصصي، وبالذات ..في القصة القصيرة جدا، فإن كانت هذه العناصر الثلاثة متقنة؛ فأنتَ أمام إنجاز ابداعي يستحق القراءة والنقد وتحليل النصوص، أو تشريحها.
ومن هنا فإن سقيا حرف للقاصة العمري يستحق أن تخط الحروف إضاءة عليه، فهو منجزٌ مكتمل النضوج والعناصر، وله ما يميزه من بناء متقن للقصة القصيرة جدا.
(( بادلته السلاسل ، تجنب إصبعها،
اتقنت غزلها وتركته مسجونا بالطلاسم ))
((وجبة /فتحت الغلاف ،تأملتها ، تذوقتها، التهمت محتواها لم أشبع نهمي ،..تناولت أخرى عن رف المكتبة .))
أبدعت القاصة العمري في انتقاء لغة رصينة ومفردة تحمل النص لأفاق التحليق، تُقوّم النص، وتجاذب الإستهلالية بالخاتمة في دهشة ماتعة ومبهرة، تتناولها تارة مباشرة؛ وتارة برمزية ومجاز ، تقف على القصة وكأنها لها عدة أبواب، تختار لك الباب المناسب لطبيعتك وحالتك النفسية التي ربما لم تكن في ذهن الكاتب نفسه، وهذه النصوص التي جاءت بها الحداثة والقصة الومضة التي لا يتقنها الحرف السردي المتناول والذي يحجم إطار الفكرة .
أما بناء النص فكانت القاصة العمري حريصة على تركيبة النص وتشكيله واستخدام علامات الترقيم بشكل واضح مستخدمة كثيرا من المحسنات البديعية فقد أجادت بتقنين المفردات واستخدام المرادفات والطباق والسجع في حالات كانت الدهشة ربما تكون استفهاما أو استنكارا حيث التباين والمفارقة داخل النص، حيث المتوقع وغير المتوقع والممكن وغير الممكن .
(( عصيان / تعطل الأخضر ، تراجع الأصفر متخوفا ، انطلق الأحمر ينسف احزمة الأمان .))
تعدد الاسلوب وليس فقط المضامين في المجموعات القصصية شيء مهم جدا، فهو يزيل الرتابة والملل والتكرار في العمل السردي والشعور بأن الكاتب مكررا في منجزه لذلك عليك أن تكون حريصا على التجديد والتنوع في الطرح والأسلوب منتقلا بين السهل الممتنع والرمزية وبين الواقع المباشر والفلسفة والتأمل ستجد بأنك أمام منتج أدبي لن تتوقف، إلا على نهايته تكتنز مخزونا أبجديا وفكريا .
سقيا حرف للكاتبة رولا العمري من الإصدارات الجديدة في مجال القصة القصيرة جدا متنوع، ومقدمة لإصدارات تحمل هذا الجنس الأدبي الذي انتشر انتشارا واسعا في الوقت الحاضر، ومع انتشار العالم الأزرق، ولكنه بالتأكيد يحتاج إلى تأمل وتفكير عميق، وإلى كاتب واسع المعرفة والإدراك يحمل هوية إبداعية متميزة في عالم السرد .


