الانفعال الداخلي في أعمال عماد المقداد - بقلم الناقد : عبده الحسين
..
.. لكل عصر أدواته الثقافية وأقنيته المستخدمة في التواصل بين افراده .
وفد جمعتني بالفنان الشامل :
عماد عبد الله المقداد مصادفة عندما وقعت عيناي على لوحة أعجبتني وأبهرت حسي .. فمددت مشاعري وأحاسيسي وأفكاري وتلك التأثيرات المباشرة وغير المباشرة ، وكنت قبلا مولعا برسم المناظر الطبيعية والوجوه
" البورتريه " لفترة غير قصيرة ، ووجدت في أحايين كثيرة أن الصورة تغني عن ألف كلمة لأنها أشد اتساقا مع حاضرنا ، وباتت الصورة / اللوحة البصرية تطالعنا منذ الساعات الأولى من الصباح حتى خلودنا إلى النوم .
واللوحة في ذاتها تدعم الحقيقة بينما الحكمة القديمة فتقول :
" من رأى ليس كمن سمع "
إشارة ذو أهمية للوحة البصرية لأن الصورة ظلت شاخصة وحاضرة في تكوين أفكارنا ، وساهم التطور التكنولوجي في نقل الصورة وتداولها وأصبحنا من الشخوص ذاتهم منتجين للصورة وليس متلقين فقط ..
فزاد من انتشارها .
وللصورة أهمية كبرى لأنها تبث خبرات الإنسان عن الحياة والكون والبشر والألوان يكتسبها المرء عن طريق حاستي :
السمع والبصر .
لذا أصبحت الصورة / اللوحة مصدرا من مصادر المعرفة وتكوين الفكر . ..
لكن ..
لاتعني ثقافة الصورة القضاء على ثقافة الكلمة المكتوبة والمنطوقة أو الحد من تأثيرها إلا أنها مكملة لها والداعم الحقيقي لها .
والمعلوم أنه كلما كان المضمون المقدم أقرب إلى الواقع كان أكثر مصداقية وشفافية لتأتي الصورة التي تعكس واقعا وتعبر عنه وتطبع في ذهن المتابع مختصرة الكثير من الجهد والوقت ، وإذا كانت ثقافة الكلمة وما تحتاجه من جهد وإعمال العقل
ليحفظ ديمومتها وبقاءها لفترات طويلة .
وظلت الصورة أكثر تعبيرا عن أنماط الحياة قديما للتعرف على كنوز تلك الحضارات .
هذا وقد نقلت الصورة الثقافية من برجها العاجي إلى باقي أفراد المجتمع ، لأن الكلمة تخاطب العقل في حين أن الصورة تتجه إلى العقل والوجدان ، والعلاقة بينهما أثْرت الثقافة الإنسانية .
ومن يملك صناعة الصورة يملك أن يلوّن العالم كما يشاء .
وهذا ما يجعلنا بحاجة إلى التفكير بجد في إعادة صياغة ما لدينا ، من فكر وثقافة وإبداع وتاريخ عبر الصورة والكلمة المرافقة فضلا عن أن ثقافة الصورة باتت ثقافة العصر .
فاللوحة المرسومة قطعة منحوتة في تاريخ الحضارة التي كانت سائدة في بصرى الشام بمنزلة ألحان مقطوعة موسيقية تشكل إيقاعا بألحان خالدة .
ولو نظرنا الى اللوحة فإنها آبدة من أوابد بصرى الشام الماثلة إلى الآن للعيان ..
بإيقاع منتظم ثؤثر في النفوس وتطرد السأم وتستهوي علينا الرغبة والتناغم بين عناصر اللوحة .
فيقودنا الفنان المبدع : عماد المقداد إلى الإدراك والخطوة في الطريق الصحيح .
إنها عملية إبداعية شاقة على الفنان أن يلم شتات لوحة غاية في الحسن والجمال والكمال .
حيث ينظم المقدادي الفنان عمله ويومه بشكل فعال لتأصيل دور الفن .
إنها لوحة ساحرة ولحظة التنوير في رواية تفتح أمام الشخصيات عالم موازٍ .
لقد أمّن الفنان نجاح لوحته بما يمتلكه من أدوات وصار يكتنز أشعاره مرافقة لتلك اللوحات أعاد إليه التوازن لحياته عبر نقل التاريخ والحضارة إلى شيء محسوس ملموس ، واستطاع فناننا الحفاظ على سلامة الذوق والعقل من عذابات مؤلمة ..
ويذكر المقدادي في عشرياته التي تحدث عنها بإسهاب أن يكتب سيناريو اللوحة بإتقان عجيب لونا وضوءا وخطا وظلالا وسطوعا حتى أنه امتلك أن يجعل من لوحته فيضانا يعبر ارواحنا حيث يأخذك معه ويقوم بإدخال الانفعال إليك ..
وتأتي اللوحة تعبيرا عن الألق والراحة النفسية مزينة بأشعار لحظية مناسبة تخرج كأنها نار عظيمة أعدت للمخابئ التي تخرج منها أكثر الأفكار غرابة .
وفي الختام ..
كنت أحسّ .. واتحين الفرصة والاطلاع عل كل لوحة .. وأحس كأنها صُنعت من أجلي
وتقبع هناك من أجلي ولعل اللوحة تعرض ما لم يستطع كاتب أن يقوله مئة صفحة ، وتبقى اللوحة أكثر إقناعا ومصداقية مما ساعد هذه اللوحة على الهيمنة وسيادتها لانها أبقى وأكثر إثارة لانتباه المتلقي ولفت أنظاره .. لأنها تلفت أنظار الذي يقرأ .. والذي لا يقرأ ..
لذا تقوم اللوحة بدور اتصال ووجود عالم متواصل متماسك متفاهم .
كل الفخر والتقدير والاحترام والتبجيل
...
عبده الحسين ..


