قضية التَّصْحيف في اللغة العربية
أيمن دراوشة
ليست مسألة الحكم على كلمة بأنها مصحَّفة مسألة هينة بسيطة , فالأمر يتطلب طول زمن وإدامة نظر , بمعنى أنْ نعيش مع هذه المعجمات فعلاً ، بل حتى مع كتب التراث الأخرى. لذلك لا بُدَّ من قصر البحث على معجمات معدودة للنظر فيها والمقارنة بينها ، وكانت هذه المعجمات هي : العين والتهذيب والصحاح ثمَّ لسان العرب وتاج العروس.
ظهر التصحيف منذ القدم في لغة العرب ، ولعل كتاب ( التنبيه على حدوث التصحيف ) الذي وضعه الحسن الأصفهاني (376) هجري ، كان من أوائل الكتب التي عُنيت بهذا الموضوع.
ولم تنج معجماتنا القديمة من مشكلة التصحيف، ولم يُشر قط إلى معجم ٍ خلا منها وإنْ كان هناك تفاوت في حجم هذه المشكلة بين معجم ٍ وآخر.
مفهوم التصحيف
التَّصْحيف في اللغة مصدر الفعل صَحَّفَ يُصَحِّف، ومعناه: أنْ يُقرأ الشيء بخلاف ما أراد كاتبه، وعلى غير ما اصطلح عليه في تسميته.
ويقال إنَّ سبب وقوع التصحيف في كتابة العرب هو أنَّ الذي أبدع صور حروفها لم يضعها على حكمة، ولا احتاط لمن يجيء بعده، وذلك أنَّهُ وضع لخمسة أحرف ٍ صورة واحدة، وهي الباء والتاء والثاء والياء والنون، وكان وجه الحكمة فيه أنْ يضع لكل حرف صورة مباينة للأخرى حتى يؤمن عليه التبديل.
ومن أمثلة ما وقع من التصحيف :
أنَّ أحدهم قرأ ( والعاديات صُبْحا ) "5" بدلاً من ( ضَبْحا ).
كما قرأ أحدهم ( وفرش مرقوعة ) "6" بدلاً من ( مرفوعة ).
وحكي أنَّ عثمان بن أبي شيبة قرأ : ( جعل السقاية في رجل أخيه ) "7" بدلاً من ( رَحل ).
والاحتراس من التصحيف لا يدرك إلَّا بعلم ٍ غزير , ورواية كثيرة , وفهم كبير , وبمعرفة مقدِّمات الكلام , وما يصلح أنْ يأتي بعدها مما يشاكلها , وما يمتنع وقوعه بعدها. وتمييز هذا مستصعب عسر إلَّا على أهله.
ختامًا
فليست المعضلة مَنْ يتحدَّث؟ وإنَّما مَنْ يُنفِّذ ، فعنايتنا بمعجماتنا لا تقف عند حَدِّ القول ،بل لن تكون عناية إنْ لم يتبعها فعل , إنَ معجماتنا لا تحيا معنا ، ولا ندري ما في بطونها , بل يكاد كل ما فيها يبدو لنا غريباً وكأنه لغة قوم قُضي أمرهم ـ وكم أخشى أنْ يُقضى أمرهم ـ أتمنى لو كان معلمنا يتأبط معجمه , وكان تلميذه يميِّز أهميته , حتماً لغدونا في حال أفضل من حالة الغربة التي نعيشها الآن , غربة عن ماضينا , وغربة عن حاضرنا.


