المتقاعد عسكري قصة قصيرة
على أهبة الاستعداد كان قائماً في كوخه الحقير بعد ان اصبح حارساً لشركة قطع غيار كبرى، يتجهز منذ الفجر بذقنه والمرآة التي وضعها امام كوخ الحراسة، يستقبل كل الزائرين والموظفين بتحية متهيبة ويودع كل المغادرين بإنحناء العظمة، كان يبتسم اذا رأى سيارة عسكرية ظناً منه بأن افرادها سيؤدون تحيتهم العسكرية كما لو أنه في سابق عهده ولكنهم يعزفونها بصمت ليبقى مع وحدته يلوك فقره ومتطلبات الرسوم الجامعية لأولاده. يخيم المساء وتصدح الذكرى مع كل صورة علقها فوق الجدار مع زملاءه أيام المعسكر، يتفقد النجوم التي كانت على كتفه ايام كان برتبة (ضابط) وينسى نجوم ليله البائس، يستذكر مقامه العالي والتحايا والسائق الخاص وينظر إلى مسمار في الجدار تعذب في رفع كيس شبه فارغ من رغيف الخبز وحبات البندورة، يحدق في رؤوس
الثوم التي توزعت على طولته البدائية ويعذب صورته التي تركها فوق مرآة مستديرة مطلية بمادة الكروم. كان الليل بارداً كصمته، والجو الضبابي يرسم سطوراً غيبية ابكت أهل السماء، لقد كانت المرة الأولى التي يُغلب بها بعد أن صرعه النعاس وطرحه فوق سرير قاسٍ كقسوة الايام، مدفأة اشعلت حنينه وسحبت كل ذرات الاوكسجين ودفء جعله يمسك بقوة على صورته ايام كان قائداً للثكنة العسكرية وهو يصارع غاز الكربون قبل أن يذهب إلى الله مختنقاً بالعبرات والاسئ. طبيب حاول ان يفصل صورته عن الجثة ويخلصه مما كتب خلفها (الوطن أغلى ما نملك)


